روسيا بوتين- تحولات عالمية، تحديات، وتوازنات في نظام دولي جديد

المؤلف: ماجد بن عبد العزيز التركي10.29.2025
روسيا بوتين- تحولات عالمية، تحديات، وتوازنات في نظام دولي جديد

كلمة أولية ضرورية:

أُعرب عن تقديري لنهج "المركزية" في هيكل القيادة الإدارية العليا للدولة، إذ أراها أساسًا راسخًا لضمان الاستقرار في المسار والاتزان في اتخاذ القرارات. وفي الوقت ذاته، أؤكد على أهمية "التعددية المتزامنة" كقوة دافعة للتجديد والابتكار. هذان المفهومان، المركزية والتعددية، يمثلان مسارين إداريين متكاملين لا متعارضين، وهو ما يتضح في القرارات السيادية الروسية. بناءً على هذا التصور، أقدم تحليلاتي وتفسيراتي للمشهد السياسي الروسي بقيادة الرئيس بوتين، وتأثيراته الممتدة على الساحة العالمية، وذلك من خلال دراسة معمقة لأكثر الملفات إلحاحًا وحساسية. وقد سبق لي أن تناولت هذا المنظور في العديد من البرامج التلفزيونية. إن اعتماد المركزية في اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية يُعد أحد العناصر الأساسية التي ترسخ "التوافق" السعودي الروسي، على الرغم من التحديات العديدة التي تحيط بعلاقاتهما. وينطبق هذا أيضًا على علاقات روسيا مع دول الخليج وبعض الدول العربية والشرق أوسطية.

إلى أين يمضي العالم وما هو مصيره؟

هذا السؤال يفتح آفاقًا واسعة من التساؤلات حول حاضر العالم ومستقبله، ويستدعي تحليلًا دقيقًا للعناصر الفاعلة التي تقود التحولات الدولية، سواء كانت ذات تأثير إيجابي أو سلبي، فعالة أو كامنة، علنية أو سرية، سلمية أو حربية، اقتصادية أو سياسية. مما لا شك فيه أن هذه التحولات، بتنوعها وشموليتها، تقف وراءها مؤسسات دولية، بعضها رسمي وبعضها الآخر يعمل في الخفاء، تتفاعل في الساحة الدولية، وتُحدث تقاطعات متضاربة في أغلب الأحيان، مما يجعل فهمها والربط بينها مهمة بالغة الصعوبة. ورغم التعقيدات التي شهدها العالم خلال فترة الحربين العالميتين، خاصة بين عامي 1914 و1945، إلا أن عناصر التفاعل "التقليدية" آنذاك كانت تتيح القدرة على التحليل والفهم. في تلك الفترة، ظهر اتجاهان عالميان واضحان، هما حلف وارسو وحلف الناتو، يتنافسان على النفوذ في إطار أممي، ويتعاملان بما يمكن تسميته "الأوراق المكشوفة"، على الرغم من محاولات وكالات الاستخبارات المختلفة استخدام التقنيات التقليدية لتحقيق "سبق" في ميدان التنافس الاستخباراتي.

جوانب متعددة تتضافر لتشكيل عالم جديد:

  • منظمة شنغهاي للتعاون، التي تأسست في 15 يونيو 2001، كمنظمة دولية أوراسية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية، وتضم في عضويتها كل من الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
  • مبادرة الحزام والطريق الصينية، بمختلف مساراتها الدولية وما يصاحبها من تحالفات وتحديات، خاصة بعد دمجها في دستور جمهورية الصين الشعبية في عام 2017.
  • تحالف بريكس، الذي يضم في عضويته الدول الست الرئيسية: الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، بالإضافة إلى الدول التي انضمت أو تنوي الانضمام لاحقًا، مثل السعودية ومصر والأرجنتين وإيران والإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الدول التي تقدمت بطلبات للانضمام.
  • أوبك +، وهو مسار بالغ الأهمية، نظرًا لدوره الحيوي في تنظيم اتجاهات سوق الطاقة العالمي وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضمان سعر عادل للمنتجين والمستهلكين على السواء، على الرغم من تأثره بتقلبات مواقف بعض الأعضاء البالغ عددهم 23 دولة. وقد يتعزز دوره في المستقبل إذا تم إنشاء مسار موازٍ مماثل لقطاع الغاز.

ولكي تتمكن هذه المنظومات "المتنوعة" من القيام بدورها الفعال في إحداث التوازن العالمي، يجب أن تندمج في منظومة متكاملة ذات قرارات سيادية عليا. وبدون ذلك، سيظل تأثيرها محدودًا وبطيئًا ومشتتًا، في مواجهة السرعة والبراعة التي تتمتع بها التكتيكات الغربية، واستخدام الأدوات التقليدية "المالية والقانونية" التي لا تزال مؤثرة في العالم الغربي.

في المقابل، هناك مجموعة من العوامل والمؤثرات المضادة:

  • المؤسسات المالية الدولية التقليدية التي تدعم المصالح الغربية.
  • هيمنة الدولار الأمريكي على الحركة الاقتصادية الدولية، ودور نظام سويفت في تعزيز هذه الهيمنة.
  • ضعف المؤسسات الأممية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي لا تزال خاضعة لضغوط وتوجيهات الغرب، مما يعيق قدرتها على أداء دورها الفعال والعادل.
  • المؤسسات الحقوقية "العابرة للقارات" التي تتبنى ما يسمى "القيم الغربية" وأجنداتها الاجتماعية والثقافية والدينية.
  • تشتت الرأي الآخر "المعارض أو غير المتفق" وعدم انضوائه في منظومة متكاملة "سياسية عسكرية اقتصادية" تدعم وتحقق المواجهة المتوازنة.
  • التخوف "الخفي" لدى العديد من القيادات السياسية في الشرق الأوسط وآسيا، والاكتفاء بمراقبة المشهد دون اتخاذ قرارات واضحة بشأن التموضع الاستراتيجي الجديد، وغالبًا ما يكون ذلك بتأثير من القوى الداخلية ذات النزعة والميول الغربية.

الخطأ الجوهري

لقد كان من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الرئيس فلاديمير بوتين تحويل روسيا إلى حليف للغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في العديد من المجالات، بما في ذلك "محاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001". وقد أدى ذلك إلى تعزيز هيمنة "القطب الواحد". وقد اعترف بوتين بهذا الخطأ في سياق تعليقاته المتكررة على أحداث الأزمة الروسية الأوكرانية، وأقر صراحة بأنه أخطأ في ثقته بالغرب، وهي ثقة قُدمت بالمجان، وعززت التغلغل الغربي، والأمريكي على وجه الخصوص، في ملفات العالم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وأمن المعلومات والأمن البيئي وغيرها. هذا الانكفاء الروسي للأجندة الغربية أفقد العالم التوازن الدولي المطلوب. ففي ظل هذا الاندفاع الروسي "المعزز بالثقة" في الاندماج مع الغرب، غاب عن روسيا الدور المحوري الذي يمكن أن تؤديه في ضبط الإيقاع الدولي العام وخلق مسارات متوازنة للمصالح العالمية. خلال "عشرين عامًا" من الثقة الروسية العمياء، من عام 2000 إلى عام 2020، خسرت روسيا الكثير:

  • ملفات دولية كانت في قبضتها.
  • مصالح مشتركة مع أطراف "بعيدة وقريبة" جغرافيًا.
  • ثقة الدول النامية على المدى الاستراتيجي.
  • فقدان هيبة المؤسسات الأممية.

من هذا المنطلق، تبذل روسيا جهودًا مضنية لاستعادة "الهيبة والمكانة والثقة وشيء من الريادة"، وبالتالي المصالح المشتركة. لذا، جاءت الاستدارة الروسية نحو "الذات" استدارة ثقيلة "كالتفاف الضبع" حول نفسه، في حين أن الثعالب تراوغ بخفة وحيوية وخطوات متباعدة.

يكمن المحور الرئيسي في خلل الانحياز الروسي نحو الغرب "المعزز بالثقة في مصداقية الغرب وآفاق التعاون معهم" في أن القرار الروسي لم يستحضر قضية داخلية مهمة، وهي مدى تقبل "النخب الروسية" والمجتمع الروسي التقليدي بعامة للقواعد الديمقراطية الغربية الليبرالية، التي تتناقض كليًا مع طبيعة المجتمعات "الأهلية التقليدية". فالمجتمع الروسي بأطيافه كافة يتناقض كليًا مع مبادئ الليبرالية الغربية، وخاصة مبادئ "الليبرالية الجديدة".

العقلانية السياسية "البرغماتية" التي انتهجها الرئيس بوتين في انفتاحه نحو الغرب لم تسعفه للحصول على ثقة الشريك الغربي الذي كان يخطط لمزيد من زرع توجهات بنيوية ليبرالية في الداخل الروسي من خلال تعزيز ما يسمى "التعددية السياسية والمعارضة المستقلة والإعلام الحر"، وهي الأدوات التقليدية لوكالات الاستخبارات الغربية للعبث بوعي الشعوب وخلق توازنات "من خلال تفعيل التناقضات الداخلية" لخدمة مصالحها، وهي مصالح لا تعزز الاستقرار القومي والوطني للدول، بل تتناقض معها.

كان الغرب يطمح إلى دفع الرئيس بوتين نحو مزيد من التحرك وبخطوات متسارعة في مسارات "تفكيك السلطة الفردية للقيادة السياسية وتفكيك التكوين الجمعي للمجتمع بإنشاء مؤسسات مستقلة "مجتمع مدني" متناقضة في مصالحها وأهدافها وتغلل النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي وإنهاك الدولة بخصخصة مقومات الاقتصاد الوطني الذي يمنح الدولة القوة أمام شعبها".

ملابسات التحول السياسي

أود هنا أن ألفت الانتباه إلى أن بعض المقدمات، سواء في الكتب أو الدراسات، قد تكون أكثر أهمية من المتن نفسه، لأنها تكشف عن الوعي الحقيقي للكاتب وقدرته على رسم المعالم والاتجاهات التي ينوي الوصول إليها. وهذا ما لمسته في مقدمة كتاب "روسيا بوتين"، الذي يقدم رؤية واضحة حول حيثيات قيادة الرئيس بوتين لروسيا ما بعد عام 2000 وظروف الانتقال السياسي من "روسيا يلتسين" إلى "روسيا بوتين"، مما يساعد على فهم الحقائق الراهنة. وتلخص المقدمة فكرة مفادها أن يلتسين حاول الجمع بين المتناقضات، بأن يكون زعيمًا ديمقراطيًا وقيصر الكرملين في آن واحد، لكن التعب والمرض أفقداه القدرة على التحكم في السلطة والعمل على بناء الدولة. فتحول من شخصية دائمة الصراع على السلطة والهيمنة ومواجهة الخصوم إلى تسليم غير متوقع للسلطة إلى شخصية غير معروفة في التاريخ السياسي الروسي، فكانت بمثابة هدية رأس السنة لفلاديمير بوتين. فعلى الرغم من أن يلتسين كان شخصية قادرة على مواجهة الخصوم، إلا أنه في تلك المرحلة لم يكن قادرًا على إحداث "التغيير". والمغزى الرئيسي الذي اتجهت إليه الكاتبة هو أن يلتسين لم يكن يعرف كيفية التعامل مع التحديات الجديدة التي تواجه روسيا وتذليل العقبات لبناء دولة حديثة، وما يحتاجه ذلك من تأسيس "وحدة وطنية جديدة"، فكان الوقت والظرف ملائمين للتنحي عن السلطة، فكانت "روسيا بوتين"، التي عاشت تناقضات داخلية كتركة لفترة يلتسين، يقابلها تحديات "خارجية" نشأت ونمت في مرحلة "الانكفاء الروسي"، فاحتاجت روسيا أربعة وعشرين عامًا حتى تكوَّن "النضج الروسي" في إدراك الذات الوطنية ومتطلباتها، بعيدًا عن تأثيرات وإغراءات العالم الغربي وسياقاته السياسية والاقتصادية والقيمية.

طور مبتكر

يمثل السابع من مايو 2024 بداية مرحلة حاسمة في الموقف الروسي المتنامي تجاه العالم الغربي، الولايات المتحدة وحلفاؤها، في صراع السيطرة، والحفاظ على المصالح الروسية، والعمل على رسم ملامح المستقبل العالمي. فمن تابع مراسم تنصيب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية رئاسية جديدة مدتها ست سنوات، حتى عام 2030، شكليًا وموضوعيًا، سيدرك أن "روسيا بوتين" ترسم لنفسها مسارًا لا رجعة فيه، وسيكون على العالم التعامل معه بحذر.

وهنا أيضًا، نلاحظ مفهوم "الاستقرار" لدى الرئيس بوتين، والذي أكد عليه في كلمته، والذي يتجاوز به مصطلح "الجمود" إلى التحرك وفق المصالح الروسية، بمعنى التعامل مع متغيرات العصر وفق رؤية مبنية على أن روسيا دولة ذات "حضارة موحدة وثقافة متعددة القوميات". وبحسب كلمته: "سوف نعمل على تحديد مصيرنا بأنفسنا من أجل مستقبلنا، وبالتعاون مع شركائنا، سنعمل من أجل تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب"، وهذا فيه التزام "ثقيل في تبعاته" وما يتبعه من متطلبات للوفاء به. واختتم كلمته برسالة مهمة: "منفتحون للتعاون مع جميع الدول التي ترى روسيا شريكًا موثوقًا"، مما يلفت الانتباه إلى أن روسيا ماضية في نهجها الجديد، وبناءً عليه تبني تحالفاتها الدولية "سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا".

وتزامن مع هذه المراسم حدثان مهمان:

  • الأول: احتفالات عيد النصر على النازية، في 9 مايو، والتي عادة ما تُظهر فيها روسيا قوتها العسكرية التقليدية. وفي هذا العام، لم تكن هناك سوى دبابة واحدة من طراز "تي 34"، بحسب المحللين العسكريين، وهي إشارة رمزية إلى أن روسيا تحشد قواتها بالكامل في حرب أوكرانيا المستمرة منذ فبراير 2022، من دون أفق لنهايتها.
  • الثاني: الزيارة الرسمية للصين، في 16 و17 مايو 2024، التي ركزت على ثنائية التعاون الصيني الروسي، خاصة في ثلاثة ملفات: أوكرانيا والشرق الأوسط وآسيا. وباستثناء أوكرانيا، تمثل هذه الملفات فضاءات التحرك الجديد "للجنوب العالمي" وما يمكن تسميته "محور الشرق" بأدواته السياسية وممكناته الاقتصادية. ويمكن ملاحظة أهمية هذه الزيارة في عناوين الصحف الغربية الرئيسية:
    • فايننشال تايمز: كانت زيارة بوتين هجومًا واضحًا على الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن حث وزير الخارجية بلينكن الصين على سحب دعمها لروسيا.
    • نيويورك تايمز: الصين ملتزمة بالشراكة مع روسيا لأنها ترى فيها ثقلاً موازياً حاسماً لمنافسهما المشترك.
    • الغارديان: إن رغبة موسكو وبكين في تعميق العلاقات العسكرية هي أحدث إشارة إلى أن العلاقات بين البلدين قوية كما كانت دائمًا.

ملف أوكرانيا:

يمثل هذا الملف أهمية قصوى للاستقرار العالمي، فهو محور الصراع "الروسي الغربي" الذي ينذر بمخاطر عالمية كبيرة. والأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزان عن فعل أي شيء تجاهه، حتى أن قرارات الناتو في هذا الاتجاه غير مستقرة وخارج إجماع الأعضاء. واستمرار الحرب يؤثر بشكل سلبي وعميق على الاقتصاد العالمي، والمخاوف تتجه إلى احتمال تضعضع الأمن الدولي في حال تصاعدت وتيرة الحرب بتأثير قوى خفية مستفيدة من استمرار الصراع وتناميه.

الرئيس بوتين يحدد مؤشرات السلام في أوكرانيا في نقاط: "سيكون هناك سلام عندما نحقق أهدافنا التي لم تتغير، وهي إزالة النازية ونزع السلاح ووضع أوكرانيا على الحياد". ولفهم حدة الموقف الروسي تجاه أوكرانيا، يمكن مراجعة وصف الرئيس بوتين "للعملية الخاصة" في أوكرانيا بأنها "قرار دولة ذات سيادة على أساس الحق في الدفاع عن أمنها"، وتعهد بأن "كل مهام العملية الخاصة سيتم الوفاء بها"، وأن روسيا "أُجبرت على تنفيذ عمليتها" في منطقة دونباس الشرقية، "كان الأمر صعبًا لكنه قسري وضروري واستند إلى ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن أمننا". هذه المضامين تلزم القيادة السياسية والعسكرية الروسية أمام مواطنيها لإتمام ما بدأته والتضحيات التي قدمها الشعب الروسي من تبعات المواجهات العسكرية والحصار الاقتصادي.

روسيا والشرق الأوسط:

يرتبط المجال الجيوستراتيجي لروسيا ارتباطًا وثيقًا بالإيرانيين من جانب، وبحالة الشرق الأوسط من جانب آخر، وما يجري فيه من أحداث وتحالفات. إيران "فاعلة" بشكل مؤثر في ملفات الشرق الأوسط، ويتناقض ذلك عمليًا مع العلاقات الروسية السعودية التي تواجه ممارسات إيرانية "خارج القانون الدولي"، سواء بشكل مباشر أو من خلال أذرعها المنتشرة في الدول الحدودية للسعودية. فكيف توازن روسيا في مواقفها مع طرفي النقيض "السعودية وإيران"؟ حيث تدرك روسيا "عمق المخاوف السعودية" من المراوغات الإيرانية وعدم ثبات مواقف إيران، بل وتزعزعها في صراع "ثالوث القوى الإيرانية الداخلية"، فريق المرشد والحرس الثوري والحكومة المغلوب على أمرها التي هي مجرد واجهة سياسية.

ستواجه روسيا ملفات شرق أوسطية ثقيلة، إيران فاعلة فيها سلبًا، والسعودية تنظر إليها باعتبارها مزعزعة للأمن القومي العربي واستقرار المنطقة العربية، استقرار العراق وعودة سوريا والتسوية اليمنية وقطاع غزة ولبنان والسودان. فهل ستكون روسيا قادرة على التعامل معها بتأثير إيجابي؟

السعودية في هذا الاتجاه لا تطلب الكثير، فقط العمل على تحقيق ممكنات الاستقرار الوطني للدول العربية، وتفعيل أدوات "التنمية الإقليمية" التي تعمل السعودية على مشاركتها مع دول المنطقة، فلا تنمية بلا استقرار.

روسيا والدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي:

تمثل هذه الدول "جغرافيًا" المجال الجيوستراتيجي الحيوي لروسيا، لاعتبارات الحدود الجغرافية والتاريخ المشترك "الإيجابي والمتناقض" من روسيا القيصرية إلى الاتحاد السوفيتي إلى الاستقلال مطلع التسعينيات والوعي المعرفي واللغة المشتركة والتحالفات والمصالح الاستراتيجية المشتركة والمخاطر الاستراتيجية المشتركة "إقليميًا ودوليًا".

فهل تستطيع روسيا في هذا الفضاء المتناقض تحقيق المكاسب وتجاوز السلبيات التي يفرضها الجوار الصيني والمصالح الغربية والتغلغل الإسرائيلي تحت مظلة يهود المنطقة والحضور الإيراني المؤسس للأبعاد الطائفية المتناقضة مع العمق الديني السني لعموم المنطقة ومنها الحاضرة الإسلامية في روسيا وتطلعات شعوب المنطقة لتجاوز التأثير الروسي، في مقابل اضطراب في تحديد طبيعة الهوية اللغوية وأدواتها لدول المنطقة؟

فلاديمير بوتين هو من وضع نفسه أمام تحديات "مستقبل العالم الجديد"، ففي سياق المحاور السابقة والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، وما يقابلها من ممكنات "تبدو فاعلة"، التأييد الداخلي الروسي لبوتين وبريكس وأوبك + اقتصاديًا وشنغهاي أمنياً، وما يصاحب ذلك من الحضور الصيني الداعم للموقف الروسي.

أمام هذه المتناقضات نتساءل:

  • هل لدى "بوتين وروسيا" الرؤية الاستراتيجية للخروج منتصرًا وقيادة مستقبل العالم الجديد بسلام؟
  • هل التوجه الروسي المتسارع للحد من النفوذ الغربي يمثل خيارًا عالميًا مفيدًا؟
  • ما مدى قدرة "الجنوب العالمي" بقيادة روسيا، ومن ورائها الصين، على تحمل العبء الاقتصادي الدولي في حال نجاحهم في تحييد الدولار ومنظوماته المالية، حيث من المتوقع "يقيناً" حدوث انكسارات اقتصادية في المنظومات المالية الدولية؟
  • ما مدى الانسجام المستقبلي لـ"المؤسسات الأممية" مع التحولات "السياسية والأمنية والاقتصادية" التي تقودها روسيا؟
  • ما موقع منطقة الخليج العربي، بما تمثله من ثقل اقتصادي رئيسي وممر أممي محوري من مسيرة التحولات التي تقودها روسيا، هل ستكون مجرد تابعة أم منسجمة أم فاعلة باستخدام أدواتها المؤثرة؟

جملة من المحاور، ولا أقول الاستفسارات، تحتاج منا على المستوى الوطني والجمعي الخليجي وأوسع من ذلك عربيًا إلى تحليل واقعي يتجنب التمنيات ويبتعد عن الولاءات ويكون مبنياً على مؤشرات دقيقة، للإسهام في الأمن والسلم العالمي ورعاية المصالح الوطنية للأطراف "خارج اللعبة التصادمية" بين الشرق بقيادة روسيا والغرب بقيادة أمريكا.

لدي رؤيتي التي لن أحررها هنا وستبقى رهن تأملاتي حتى أجد الحاضنة لرعايتها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة